وفي الليلة الظلماء يُفتقد الإسلامبولي؟

نامت نواطير مصر عن ثعالبها *** فقد بشمن وما تفنى العناقيد

الحقيقة لا يدرى المرء كيف يتصرف في ظل ذلك التهاون العربي المقيت والتخاذل السياسي المفضوح لأنظمة الخيانة والغدر العربية, أو ماذا يصنع وقد قُدر عليه أن يَحيا في فضاء هذا الزمن العاثر وفي تلك الظروف المُخزية وهو يرى أخوته وأشقائه في غزة وهم يسحقون ويُبادون تحت آلة القتل والدمار الصهيونية.

فقد أصابنا الران وتشربنا الذل والهوان ولم يبقى أمامنا سوى الدعاء والأُمنيات والصمت والذكريات الجميلة, ولا ألوم الشعب المصري الأبي على حرقته وشعوره بالألم والإهانة والإذلال, ولا أحسده على موقفه وهو يرى غزة هاشم تُباد على مرمى حجر من القوات المصرية وفي ظل خيانة قادته السياسيين وتنسيقهم الكامل مع العدو الإسرائيلي!
وأظنهم مثلي يشعرون بالغضب والغيض والمرارة ويسترجعون ذكريات الزمن الجميل ويتمنون المُستحيلات والمُعجزات أن تحدث في هذا الزمان الأغبر, فالبعض منهم ربما يستذكر أيام الظاهر بيبرس وصلاح الدين الأيوبي وقسم آخر يتحسر على عهد عبد الناصر الذي كان بحق غصة في حلوق الصهاينة العرب قبل اليهود, وكثرة منهم تترحم على ذكرى الشهيد خالد الأسلامبولي؟
وأتحدث عن مصر ولا غير مصر لأن مصر هي أم الدنيا كما يُقولون ولأن العراق أبو الدنيا قد ترجل عن صهوة جواده مُجبراً بعد تآمر عليه العالم أجمع من أصدقاء وأعداء, فغابت بغداد العروبة مُرغمة عن الأحداث بعد أن امتطى صهوتها العملاء الصغار والأتباع, وبقيت الساحة العربية مضماراً مفتوحاً للثعالب وقطعان أبا الحصاني.


فلم يبقى أمام العرب والمُسلمين سوى أن يدعو الله في أن تفيق مصر المحروسة من سُباتها الطويل وتصحو من غفوتها الإرادية وتمسك بزمام الأمور من جديد, وتحتل مكانها الطبيعي لتتزعم العرب مثلما عهدناها كما كانت وكما يجب أن تكون.
وقد يقول القائل لماذا تحملون مصر المسؤولية وأغلب العرب هُم مُتآمرين مع الإسرائيليين ولهم سفارات واتصالات سرية وعلنية معهم, فأشمعنى مصر يعني؟
أولاً : لأن مصر هي قلب العروبة النابض وهي رأس العرب القابض الذي إذا ما غاب عن الوعي أو نُخره السوس أو أصابه الوهن, ضاع العرب وتشتتوا وتشرذموا وتفرقت كلمتهم وضاعت هيبتهم, وكلنا نعلم ماذا حل بالعالم العربي والإسلامي بعد أن وقع المقبور النافق أنور السادات بحافره على مُعاهدة الذل والهوان في كامب ديفيد.
ثانياً : من سوء حظ مبارك وعصابته أن غزة تقع على حدود جمهوريته المُباركية وليس على حدود قطر أو موريتانيا أو على أبواب المزرعة السعودية, كما أن مصر تتحمل المسؤولية العسكرية والسياسية والأخلاقية كاملةً على ضياع قطاع غزة, لأنها احتلت وهي تحت السيطرة المصرية آنذاك ومصر كانت قد خسرتها في حروبها مع إسرائيل, وعليه فهي مُلزمة قانونياً وأخلاقياً بالدفاع عن غزة أو حل قضيتها بما يُرضي أهلها.
والسؤال الآن هو : هل بقي نظام الحصني مبارك على الحياد كما يزعم وكفى شره عن غزة وأهلها, أو تراه أصبح شريكاً فعلياً في العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة حماس أو ( بتوع حماس ) كما يحلو له أن يُسميهم؟
فحصني مبارك وتابعه اللئيم أبو الغائط لم يقفوا يوماً على الحياد قط, بل استماتوا لإيذاء حماس وكانوا يسعون بكل ما أوتوا من قوة ومال ودعم سياسي هم وآل سعود وقزم الأردن لإسقاط حكومة حماس بأي ثمن كان, وكذلك سعيهم المحموم قمع المُقاومة الإسلامية في فلسطين لصالح محور عباس وإسرائيل.
ويكفي أن المُجرمة تسيبي ليفني قد أعلنت الحرب على غزة من داخل قصر عابدين وأمام التابع الذليل القذر أحمد أبو الغائط دون أن ينبس ببنت شفة!
والعجيب حقاً أن هذا الخرتيت الفرعوني مازال يُصر على غلق المعبر ويُبرر تجويع الشعب في غزة بحجج واهية ومُبررات سخيفة, ولا يستحي من الله ولا حتى من البشر وذلك عندما يخرج على وسائل الإعلام وبكل بجاحة يتحدث عن عدم سماحه لفتح معبر رفح!!!
وفي مثل حالة هذا الكافور الإخشيدي الآبق الجديد فلا ينفع معه إلا البتر والقلع من الجذور كسلفه الهالك السادات, فهو كالسرطان الخبيث المُميت الذي لا يُجدي معه لا الدواء ولا حتى العلاج الكيماوي, بل لا يصح معه إلا العلاج الإسلامبولي المُجرب؟


فمثل هؤلاء الحثالات المُتسلقين الذين رضعوا العمالة واستمرؤوا التبعية وأمعنوا في الخيانة وفي إيذاء العرب وقضاياهم العادلة, فلا ينفع معهم سوى القلع والإزالة بالقوة من السلطة وعن طريق تحرك الجيش المصري الشريف.
فأين أنتم يا أبناء مصر الأبرار؟ أين أنتم أيها الضباط الأحرار؟
نظفوا مصر من العملاء والخونة وارفعوا راية مصر خفاقة في سماء العروبة والإسلام, وانتفضوا على أذناب أمريكا وعملاء تل أبيب الذين أذلوا مصر المحروسة واستباحوا المُحرمات وسرقوا الثروات.
ولكم في الشهيد المُلازم الأول الحر خالد الإسلامبولي ورفاقه القدوة الحسنة فتسابقوا لا أباً لكم, في نيل المعالي وكسب العز والمكارم فمَصركم ومصر العروبة في خطر وسوف تضيع إذا لم تنقذوها وتنتشلوها من براثن الخونة والعملاء.
فأستحلفكم الله يا ضُباط مصر الشرفاء الأحرار أن تثوروا ثورة رجل واحد على هذا الحصني الخبيث وأتباعه وأن تقتلعوهم من جذورهم العفنة كي تخلصوا الشعب المصري الكريم والأمة العربية جمعاء من شره ومن شرور أبنائه من بعده.
ولا نامت أعين الجبناء.


وقد صدق أبو الطيب المُتنبي عندما قال في كافور الأخشيدي الذي تسلط على رقاب أبناء مصر المحروسة في سالف الأزمان كما يفعل الحصني الآن حيث قال :
عيـد بـأيـة حـال عـدت يـا عيــد *** بـمـا مضـى أم لأمـر فيـك تجديـد
أمـا الأحــبــة فـالبيــداء دونـهـم *** فـليـت دونـك بيــداً دونـهـا بيــد
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها *** وجناء حرف ولا جرداء قيدود
وكـان أطيـب مـن سـيفـي معـانقـة *** أشـبـاه رونقـه الغيـد الأمـاليـد
لـم يتـرك الـدهـر مـن قلبـي ولا كبـدي *** شيئـاً تتيمـه عيـن ولا جيـد
يـا سـاقيـي أخمـر فـي كـؤوسكمـا *** أم فـي كـؤوسكمـا هـم وتسهيـد
أصخـرة أنـا مـا لـي لا تحركنـي *** هـذي المـدام ولا هـذي الأغـاريـد
إذا أردت كميـت اللـون صـافيـة *** وجـدتهـا وحبيـب النفـس مفقــود
مـاذا لقيـت مـن الدنيـا وأعجبـه *** أنـي بمـا أنـا شـاك منـه محسـود
أمسيـت أروح مـثـرٍ خـازنـا ويـداً *** أنـا الغنـي وأمـوالـي المـواعيـد
إنـي نزلـت بكـذابيـن ضيفهـم *** عـن القـرى وعـن التـرحـال محـدود
جـود الرجـال من الأيـدي وجودهم *** من اللسان فـلا كانوا ولا الجـود
مـا يقبـض المـوت نفساً مـن نفوسهم *** إلا وفـي يـده مـن نتنها عـود
أكـلمـا اغتـال عبـد السـوء سيـده *** أو خـانـه فـلـه فـي مصـر تمهيـد
صـار الخصـي إمـام الآبقيـن بـهـا *** فـالحـر مستعبـد والعبـد معبــود
نامـت نواطيـر مصـر عـن ثعالبهـا *** فقـد بشمـن ومـا تفنـى العناقيـد
وبس خلاص كما يقول هيكل.
منقول